سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة، وآخر آية في التوراة، قوله: {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} الآية [الإسراء- 111].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: افتتح الله الخلق بالحمد، فقال: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض}، وختمه بالحمد فقال: {وقضي بينهم بالحق}، أي: بين الخلائق، {وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر- 75].
قوله: {الحمد لله} حمد الله نفسه تعليما لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض، خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع للعباد، {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} والجعل بمعنى الخلق، قال الواقدي: كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار.
وقال الحسن: وجعل الظلمات والنور يعني الكفر والإيمان، وقيل: أراد بالظلمات الجهل وبالنور العلم.
وقال قتادة: يعني الجنة والنار.
وقيل: معناه خلق الله السموات والأرض، وقد جعل الظلمات والنور، لأنه خلق الظلمة والنور قبل السموات والأرض.
قال قتادة: خلق الله السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى خلق الخلق فى ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل».
{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون، وأصله من مساواة الشيء بالشيء، ومنه العدل، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته، وبه قال النضر بن شميل، الباء بمعنى عن، أي: عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله} أي: منها.
وقيل: تحت قوله: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} معنى لطيف، وهو مثل قول القائل: أنعمت عليكم بكذا وتفضلت عليكم بكذا، ثم تكفرون بنعمتي.


قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} يعني آدم عليه السلام، خاطبهم به إذ كانوا من ولده. قال السدي: بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها، فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني، فرجع جبريل ولم يأخذ وقال: يا رب إنها عاذت بك، فبعث ميكائيل، فاستعاذت فرجع، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره، فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر، فلذا اختلفت أخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت: رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها، لا جرم أجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك.
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خلق الله آدم عليه السلام من تراب وجعله طينا، ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا ثم خلقه وصوّره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار، ثم نفخ فيه روحه».
قوله عز وجل: {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} قال الحسن وقتادة والضحاك: الأجل الأول من الولادة إلى الموت، والأجل الثاني من الموت إلى البعث، وهو البرزخ، وروي ذلك عن ابن عباس، وقال: لكل أحد أجلان أجل إلى الموت وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الأجل الأول أجل الدنيا، والأجل الثاني أجل الآخرة، وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثُمَّ قَضَى أَجَلا} يعني: النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة، {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} يعني: أجل الموت، وقيل: هما واحد معناه: ثم قضى أجلا يعني: جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها، {وأجل مسمى عنده} يعني: وهو أجل مسمى عنده، لا يعلمه غيره، {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} تشكّون في البعث.
قوله عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ} يعني: وهو إله السموات والأرض، كقوله: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}، وقيل: هو المعبود في السموات والأرض، وقال محمد بن جرير: معناه هو في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض، وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره: وهو الله، {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} في السموات والأرض {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} تعملون من الخير والشر.


{وَمَا تَأْتِيهِمْ} يعني: أهل مكة، {مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} مثل انشقاق القمر وغيره، وقال عطاء: يريد من آيات القرآن، {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} لها تاركين بها مكذبين.
{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} بالقرآن، وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم، {لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذبوا.
قوله عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} يعني: الأمم الماضية، والقرن: الجماعة من الناس، وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال ثمانون سنة، وقيل: ستون سنة، وقيل: أربعون سنة، وقيل: ثلاثون سنة، ويقال: مائة سنة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بُسْر المازني: «إنك تعيش قرنا»، فعاش مائة سنة فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن، {مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} أي: أعطيناهم ما لم نعطكم، وقال ابن عباس: أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود، يقال: مكنته ومكنت له، {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} يعني: المطر، مِفْعَال، من الدر، قال ابن عباس: مدرارا أي: متتابعا في أوقات الحاجات، وقوله: {ما لم نمكن لكم} من خطاب التلوين، رجع من الخبر من قوله: «ألم يروا» إلى خطاب، كقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس، 22].
وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله: {ألم يروا} وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم خاطبهم معهم، والعرب تقول: قلت لعبد الله ما أكرمه، وقلت: لعبد الله ما أكرمك، {وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا} خلقنا وابتدأنا، {مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}.
قوله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} الآية، قال الكلبي ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله، فأنزل الله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} مكتوبا من عندي، {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} أي: عاينوه ومسوه بأيديهم، وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العلم من الرؤية فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس، {لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} معناه: لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8